حكم الحديث المعلق
أولا :
الحديث المعلق هو ما حذف من بداية إسناده ( أي من جهة المحدث المصنف – صاحب الكتاب-) راو واحد فأكثر .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "نزهة النظر" (108-109) :
" ومن صور المعلق :
أن يحذف جميع السند ، ويقال مثلا : قال رسول لله صلى الله عليه وسلم .
ومنها : أن يحذف كل السند ولا يبقى إلا اسم الصحابي أو اسم الصحابي والتابعي.
ومنها : أن يحذف من حدَّثَه ويضيفه إلى من فوقه " انتهى بتصرف .
ثانيا :
كل حديث يذكر في الكتب محذوف الإسناد ، ويرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم
، دون عزو إلى شيء من كتب السنة ، فهو حديث معلق ، فإن كان الحديث موصولا
بالأسانيد في كتب السنة ، أو كان المصنف الذي علقه قد وصله في مكان آخر من
كتبه ، فيظهر حينئذ أن تعليق من علقه إنما كان لأجل الاختصار ، ووصفه
بالتعليق لا يعني الحكم عليه بالضعف ، وليس هو محل خلاف وبحث عند أهل العلم
.
تجد ذلك كثيرا ظاهرا في صحيح الإمام البخاري :
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "النكت" (1/325) :
" إن ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد ، واشتمل على أحكام واحتاج
إلى تكريرها ، فإنه والحالة هذه إما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد "
انتهى .
ويقول السيوطي في "تدريب الراوي" (1/117) :
" وأكثر ما في البخاري من ذلك موصول في موضع آخر من كتابه ، وإنما أورده معلقا اختصارا ومجانبة للتكرار " انتهى .
ثالثا :
للحكم على الحديث المعلق فإنه لا بد – كما هو الحال عند الحكم على أي حديث –
من جمع طرق الحديث والبحث عن أسانيده ؛ ولا يخلو حكمه بعد ذلك من الحالات
التالية :
1- إن لم نقف له على سند في أي كتاب : فحينئذ فالأصل الحكم بالضعف على
الحديث ؛ وذلك للجهل بحال الرواة المحذوفين من السند ، فقد يكون منهم
الضعيف أو الكذاب .
مثاله : ما علقه الحافظ ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( مَا مِن مُسلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبرِ أَخِيهِ كَانَ يَعرِفُهُ فِي
الدُّنيَا ، فَيُسَلِّمُ عَلَيهِ ، إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيهِ رُوحَهُ
حَتَّى يَرُدَّ عَلَيهِ السَّلامَ )
فقد بحث أهل العلم عن هذا الحديث المعلق فلم يجدوه مسندا في كتاب ، وكل من
يذكره ينقله عن تعليق الحافظ ابن عبد البر ، فهو في الأصل حديث ضعيف ، إلا
أن بعض أهل العلم صححه تبعا للحافظ ابن عبد البر الذي علقه وصححه .
2- إذا وجدنا للحديث سندا موصولا في كتاب آخر من كتب السنة ، فإننا حينئذ
ننظر في السند ، ونحكم عليه بحسب قواعد أهل العلم في نقد الأحاديث ، كما
أنه يمكن الاستعانة للحكم على الحديث المعلق بما فهمه العلماء من مناهج كتب
السنة ، وهذا بيان ذلك :
رابعا :
لبعض الأئمة مناهج في ذكر الحديث المعلق ، وهذه المناهج إما أن ينص عليها
الإمام نفسه ، أو يعرفها من بعده من أهل العلم من خلال دراسة كتابه
واستقراء أحاديثه .
ومن كلام أهل العلم في منهج البخاري في التعليق ، نستطيع تقسيم معلقاته ( والتي تصل إلى مائة وستين حديثا معلقا ) إلى قسمين :
الأول : ما علقه بصيغة الجزم ، مثل قال ، رَوَى ونحو ذلك :
فحكم هذه المعلقات هو الصحة أو الحسن ، لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك إلا
وقد صح عنده ، بل منها ما هو على شرطه وإنما علقه لأنه أخذه مذاكرة أو
إجازة .
ويستثني العلماء من هذه القاعدة حديثا واحدا فقط ، وهو ما علقه في كتاب الزكاة (2/525) :
( وقال طاوس : قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن : ائتوني بعرض ثياب : خميص
أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة ، أهون عليكم ، وخير لأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم بالمدينة )
قالوا : فهذا إسناده إلى طاوس صحيح ، إلا أن طاوسا لم يسمع من معاذ .
الثاني : ما علقه بصيغة التمريض : مثل : رُوِيَ ، يُذكَر ونحوها .
فهذا قد يكون فيه الصحيح ، وقد يكون فيه الحسن ، ويكون علقها لأنه رواها بالمعنى .
كما قد يكون فيه الضعيف ضعفا يسيرا : وقد يبين ضعفه بقوله عقبه : ( لم يصح ) .
( ملخصا من كتاب "النكت" للحافظ ابن حجر (1/325-343) ، "تدريب الراوي" للسيوطي (1/117-121)
أما صحيح مسلم :
فإن جميع ما فيه من المعلقات يصل فقط إلى خمسة أحاديث ، يرويها الإمام مسلم
مسندة متصلة من طريق ، ثم يعلقها عقبه من طريق أخرى غير الطريق التي
أسندها ، لغرض علمي يريده الإمام مسلم ، وقد جمعها الشيخ رشيد الدين العطار
في رسالة مطبوعة ، وبين وصلها وأسانيدها الصحيحة .
وليس في صحيح مسلم – بعد المقدمة – حديث معلق لم يصله من طريق أخرى إلا حديث واحد : قال مسلم في حديث رقم (369) :
وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبدالرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن
عباس أنه سمعه يقول : : أقبلت أنا وعبدالرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث ابن الصمة
الأنصاري ، فقال أبو الجهم :
( أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن نَحوِ
بِئرِ جَمَلٍ ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، فَلَم يَرُدَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَيهِ حَتَّى أَقبَلَ
عَلَى الجِدَارِ ، فَمَسَحَ وَجهَهُ وَيَدَيهِ ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيهِ
السَّلامَ ) وانظر "النكت" للحافظ ابن حجر (1/346-353)
وقد وجد هذا الحديث مسندا متصلا من طريق الليث بن سعد أيضا عند البخاري في صحيحه (337) وأبو داود (329) وغيرهما .