كم عمرك عند الغضب؟
سؤال لفت انتباهي وأنا أتابع إحدى حلقات أكاديمية إعداد القادة على قناة
الرسالة الفضائية، لدرجة أني توقفت عن المشاهدة وبدأت أتأمل في هذا السؤال
الذكي.
أغلبنا إن لم أقل كلنا سبق له أن صادف أحد أفراد عائلته، أصدقائه أو زملائه
بالعمل والدراسة... وهو في حالة انفعال وهيجان، فحاول أن يقوم بدور العجوز
الحكيمة ذات السبعين عاما، مستعملا تلك العبارات السحرية: هدئ من روعك،
مهما يكن، تعقل... وكل ما من شأنه أن يحل المشكل بأقل الخسائر. لكن، ماذا
لو كنت أنت الغاضب المنفعل؟ كم يكون عمرك؟ وكيف تتصرف؟ أغلبنا في نظري،
وقياسا على ما عايشت، لا يتجاوز العشرين من عمره، بل هناك من يصير طفلا رغم
أن شهادة الميلاد تقول العكس. وهذا لا ينفي طبعا إمكانية وجود شباب (ولا
أقول أطفال، لأن عدم الغضب في الطفولة لا يعني في الغالب ضبطا للنفس) تفوق
أعمارهم عند الغضب سنهم الحقيقي. بل حتى إنني سرحت فوجدتني أقول: إن هذا
السؤال "كم عمرك عند الغضب؟" لهو الأحق أن يطرحه الأب على خاطب ابنته،
والمسؤول على طالب الوظيفة... إلخ
هنا أستحضر الحديث الذي رواه البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن
رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. قال: لا تغضب. فردد مرارا قال:
لا تغضب"، فلا أظن إلا أن الحبيب المصطفى رأى أن الغضب يؤثر على العقل في
عمله واستنتاجاته فيصير صاحبه إذذاك كمن هو أصغر منه. بتعبير آخر، وكأنه
يوصيه بأن يلزم سنه وألا يتصاغر (هذا رأي شخصي وقراءة لما بين الثنايا،
وليست تفسيرا للحديث، ولمن أراد معلومات أوفى حول ما جاء في شأنه وماقيل
فيه فالمرجو مراجعة مؤلفات أولي العلم).
قد يقول قائل إنه لا يمكن للمرء ألا يغضب، سأقول له بإيجاز إن ذلك ممكن،
ولو لم يكن، فما كان للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أن ينصح بشيء يستحيل
فعله – لكن ذلك لا ينفي صعوبته. ولأننا تبرمجنا سلفا بحيث يسهل أن نغضب
(وهنا أفتح قوسا وأشير إلى أن آباءنا وأمهاتنا ارتكبوا أخطاء كثيرة أثناء
تربيتنا، ما أثر علينا سلبا من حيث برمجتنا العصبية، لكنهم أخطؤوا عن حب،
فلا تلوموهم) فهاكم طريقة بسيطة للتدرب على كبح الجماح وضبط النفس، وهي
مستوحاة من أحد العروض للأستاذ نادر غزال في الذكاء الوجداني، وطرق الدكتور
إبراهيم الفقي إعادة البرمجة، لكني قمت بتبسيطها والتعديل عليها لأجعلها
على شكل تمارين بسيطة، وما سأذكره في هذا الموضوع ما هو إلا الخطوة الأولى،
وستليها تمارين أخرى بحول الله وقوته في مواضيع قادمة.
خذ ورقة ودون ما يلي:
1- عندما يستفزني أحد بـ ..............................
2- أركز تفكيري حول ..................................
3- أو أتذكر موقفا طريفا حدث معي كـ ...............
4- أو أغير مكاني وأذهب إلى .........................
5- أو أقوم بـ ............................................ حاول أن تحتفظ بها في جيبك، وكرر النظر إليها كلما تذكرتها
خذ وقتا مستقطعا وتخيل أنك في نفس الموقف الذي اخترت آنفا. جرب في كل مرة حلا من الحلول التي اخترتها.
أيها أشعرك براحة أكثر؟ اِلزمه إذن، والغ الاحتمالات الأخرى
أعد عملية التخيل، وانظر لنفسك وأنت تنجح في التغلب على الغضب، وتحسن التعامل.
كرر العملية كلما تسنت لك الفرصة حتى تترسخ الفكرة في عقلك الباطن ويؤمن
بها. وسوف تحس ببداية التغيير. كما يمكنك أن تضع نماذج أخرى لأشياء تغضبك
أو تستفزك، وتجعل لكل منها حلا من اختبارك، لكن لا تكثر، ولنبدأ خطوة خطوة. تنبيه: لا تقم أبدا بتخيل شيء سلبي، أو
أن تردد عبارات مثل لن استطيع، لن أتغير، هذا طبعي... وغير ذلك، لأن العقل
الباطن سيخزن ذلك وسيعتمد عليه لاحقا. وفي الختام، أرجو أن تعذروني إن قصرت في شيء، فهذه أول مرة أكتب في هذا المجال، فإن وفقت فمن الله، وإن أخفقت فمن نفسي والشيطان.