انتهز يوسف -عليه السلام- هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمة الخالق وعظمته
وحبه لمخلوقاته، كان يسأل الناس: أيهما أفضل.. أن ينهزم العقل ويعبد أربابا
متفرقين.. أم ينتصر العقل ويعبد رب الكون العظيم؟ وكان يقيم عليهم الحجة
بتساؤلاته الهادئة وحواره الذكي وصفاء ذهنه، ونقاء دعوته.
وفي أحد
الأيام، قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجهه
الخير. إن أول ما قام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهم
الرؤى، لأن ربه علمه علما خاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادته
وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى
بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهما
إلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكل هذا برفق ولطف ليدخل
إلى النفوس بلا مقاومة.
بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّن لهما أن
أحدها سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحب
البشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء.
وتروي بعض التفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا،
والآخر يسقي الناس، وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.
أوصى يوسف
من سينجو منهما أن يذكر حاله عن الملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما
ألهته حياة القصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. أراد
الله بهذا أن يعلم يوسف -عليه السلام- درسا.
فقد ورد في إحدى
الرويات أنه جاءه جبريل قال: يا يوسف من نجّاك من إخوتك؟ قال: الله. قال:
من أنقذك من الجب؟ قال: الله. قال: من حررك بعد أن صرت عبدا؟ قال: الله.
قال: من عصمك من النساء؟ قال: الله. قال: فعلام تطلب النجاة من غيره؟
وقد يكون هذا الأمر زيادة في كرم الله عليه واصطفاءه له، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد.