*// ملف شامل عن شهر شعبان
ها قد أطل علينا شهر كريم شهر بين رجب ورمضان يغفل عنه كثير من الناس ترفع فيه الاعمال ألا وهو شهر شعبان ذلك الشهر الذي يستحب الاكثار فيه من الصيام ، استعدادًا لرمضان واقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام
معنى شعبان :
سمي بذلك لأن العرب كانت تتشعب فيه (أي تتفرق)؛ للحرب والإغارات بعد قعودهم في شهر رجب.
فضل الصيام عموما وشعبان خصوصا
الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة كما جاء في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بنيالإسلام على خمس . ـ وذكر منها ـ
وصوم رمضان" رواه البخاري ومسلم.
والصيام في اللغة؛ هو الإمساك، وفي الشرع: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إليغروب الشمس مع النية
والمقصود منه حبس النفس عن الشهوات، فالجوع يكسر من حدتها، ويذكرها بحال
الأكباد الجائعة، وهو كذلكيضيق مجاري الشيطان، وهو سر بين البعد وربه، لا
يطلع عليه سواه، وقبل ذلك كله هوعبادة لله، فالصائم يترك طعامه وشرابه
وشهوته من أجل الله، وذلك حقيقة الصيام .
وعن فضل الصيام قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم -
( إن في الجنة بابا يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا
يدخل منه أحد غيرهم ، يقال أين الصائمون ، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ،
فإذا دخلوا أغلق ، فلن يدخل منه أحد )
الراوي: سهل بن سعد الساعدي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1896
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
من صام يوما في سبيل الله ، بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2840-خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وفيما يتعلق بشهر شعبان فانه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم انتباه
النّاس إلى شهر رجب في الجاهلية، وتعظيمه وتفضيله على بقية أشهر السنة
ورأى المسلمين حريصين على تعظيم شهر القرآن أراد أن يبين لهم فضيلة بقية
الأشهر والأيام
ويتضح ذلك من سؤال اسامة بن زيد عندما قال يا رسول الله ! لم ارك تصوم شهرا
من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ ! قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه ، بين
رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع
عملي ، وأنا صائم
المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 2356- خلاصة حكم المحدث: حسن
وسؤال أسامة رضي الله عنه يدل على مدى اهتمام الصحابة الكرام وتمسكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم
وبالفعل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلاّ قليلاً كما أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها في الحديث المتفق على صحته
ولا بدَّ من وجود أمر هام وراء هذا التخصيص من الصيام في مثل هذا الشهر
وهذا ما نبَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : «إنّه شهر ترفع فيه
الأعمال إلى الله تعالى» .
الاحاديث الواردة فى فضل صيام الشهر
صحيح البخارى
ــــــــــــــــــــــــ
* حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن أبى سلمة أن عائشة - رضى الله
عنها - حدثته قالت لم يكن النبى -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرا أكثر من
شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله وكان يقول « خذوا من العمل ما تطيقون فإن
الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- ما دووم
عليه وإن قلت » وكان إذا صلى صلاة داوم عليها.
حديث 2007 - الصوم - صحيح البخارى.
* حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبى النضر عن أبى سلمة عن عائشة -
رضى الله عنها - قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول
لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم. فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه فى شعبان.
حديث 2006 - الصوم - صحيح البخارى.
* حدثنا الصلت بن محمد حدثنا مهدى عن غيلان. وحدثنا أبو النعمان حدثنا مهدى
بن ميمون حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف عن عمران بن حصين - رضى الله عنهما -
عن النبى -صلى الله عليه وسلم-. أنه سأله - أو سأل رجلا وعمران يسمع -
فقال « يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر ». قال أظنه قال يعنى رمضان. قال
الرجل لا يا رسول الله. قال « فإذا أفطرت فصم يومين ». لم يقل الصلت أظنه
يعنى رمضان. قال أبو عبد الله وقال ثابث عن مطرف عن عمران عن النبى -صلى
الله عليه وسلم- « من سرر شعبان ».
حديث 2021 - الصوم - صحيح البخارى.
معانى بعض الكلمات :
السرر : قيل أول الشهر وقيل وسطه وقيل آخره
فتح البارى فى شرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صوم شعبان
الشرح:
قوله: (باب صوم شعبان) أى استحبابه، وكأنه لم يصرح بذلك لما فى عمومه من التخصيص وفى مطلقه من التقييد كما سيأتى بيانه.
وسمى شعبان لتشعبهم فى طلب المياه أو فى الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام، وهذا أولى من الذى قبله، وقيل فيه غير ذلك.
16 - الصَّوْمِ - فتح البارى- باب صَوْمِ شَعْبَانَ.
صحيح مسلم
ـــــــــــــــــــ
* وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعمرو الناقد جميعا عن ابن عيينة - قال أبو
بكر حدثنا سفيان بن عيينة - عن ابن أبى لبيد عن أبى سلمة قال سألت عائشة -
رضى الله عنها - عن صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت كان يصوم
حتى نقول قد صام. ويفطر حتى نقول قد أفطر. ولم أره صائما من شهر قط أكثر من
صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا.
صحيح مسلم - 14 - كتاب الصيام - 34 - باب صيام النبى فى غير رمضان واستحباب أن لا يخلى شهرا عن صوم -حديث 2778
* حدثنا هداب بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن مطرف - ولم أفهم مطرفا
من هداب - عن عمران بن حصين - رضى الله عنهما - أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال له أو لآخر « أصمت من سرر شعبان ». قال لا. قال « فإذا
أفطرت فصم يومين ».
صحيح مسلم- 14 - كتاب الصيام - 37 - باب صوم سرر شعبان -حديث 2808
معانى بعض الكلمات :
السرر : قيل أول الشهر وقيل وسطه وقيل آخره
* حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثنى أبى عن يحيى بن أبى
كثير حدثنا أبو سلمة عن عائشة - رضى الله عنها - قالت لم يكن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- فى الشهر من السنة أكثر صياما منه فى شعبان وكان يقول
« خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا ». وكان يقول «
أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل ».
صحيح مسلم - 14 - كتاب الصيام - 34 - باب صيام النبى فى غير رمضان واستحباب أن لا يخلى شهرا عن صوم - حديث 2779
* حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ابن أخى مطرف بن
الشخير قال سمعت مطرفا يحدث عن عمران بن حصين - رضى الله عنهما - أن النبى
-صلى الله عليه وسلم- قال لرجل « هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ». يعنى
شعبان. قال لا. قال فقال له « إذا أفطرت رمضان فصم يوما أو يومين ». شعبة
الذى شك فيه قال وأظنه قال يومين.
صحيح مسلم - 14 كتاب الصيام - 37 - باب صوم سرر شعبان - حديث 2810
معانى بعض الكلمات :
السرر : قيل أول الشهر وقيل وسطه وقيل آخره
الترمذى
ــــــــــــــ
* (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم : يصوم شهرين متتابعين ، إلا شعبان ورمضان )
الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 736 - خلاصة حكم المحدث: حسن
* حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن منصور عن سالم
بن أبى الجعد عن أبى سلمة عن أم سلمة قالت ما رأيت النبى -صلى الله عليه
وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. وفى الباب عن عائشة. قال أبو
عيسى حديث أم سلمة حديث حسن.
سنن الترمذى.4 - كتاب الصوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث 741
* وقد روى هذا الحديث أيضا عن أبى سلمة عن عائشة أنها قالت ما رأيت النبى
-صلى الله عليه وسلم- فى شهر أكثر صياما منه فى شعبان كان يصومه إلا قليلا
بل كان يصومه كله. حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة
عن عائشة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- بذلك. وروى عن ابن المبارك أنه قال
فى هذا الحديث هو جائز فى كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام
الشهر كله ويقال قام فلان ليله أجمع. ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره. كأن ابن
المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين يقول إنما معنى هذا الحديث أنه كان
يصوم أكثر الشهر. قال أبو عيسى وقد روى سالم أبو النضر وغير واحد هذا
الحديث عن أبى سلمة عن عائشة نحو رواية محمد بن عمرو.
سنن الترمذى - 4 - كتاب الصوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حديث 742
* حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه
عن أبى هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إذا بقى نصف من
شعبان فلا تصوموا ». قال أبو عيسى حديث أبى هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه
إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ. ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن
يكون الرجل مفطرا فإذا بقى من شعبان شىء أخذ فى الصوم لحال شهر رمضان. وقد
روى عن أبى هريرة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- ما يشبه قولهم حيث قال
-صلى الله عليه وسلم- « لا تقدموا شهر رمضان بصيام إلا أن يوافق ذلك صوما
كان يصومه أحدكم ». وقد دل فى هذا الحديث أنما الكراهية على من يتعمد
الصيام لحال رمضان.
سنن الترمذى.4 - كتاب الصوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حديث 743
لإخوة
والاخوات نحن كلنا بحاجة إلى أن ننتهز فرص تجليات الله تعالى على عباد الله
بالرحمة، نحن كما تعلمون مثقلون بالأوزار، ولسنا نملك- والحالة هذه- سوى
أن نتصيد هذه الأوقات التي أنبأ عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-،
والتي يتجلى الله عز وجل فيها على عباده بالرحمة، ليس لنا من سبيل إلا أن
ننتهز هذه الفرص لنتعرض لرحمة الله، نتعرض لمغفرته، نتعرض لإكرامه، ونبسط
أكف الضراعة والافتقار إليه، داعين متضرعين أن يخفف عنا عز وجل من ذنوبنا،
وأن يكرمنا بالعفو والعافية التامة، وأن يرحم أمة سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم مما قد أصابها.
أن عبوديتنا لله عز وجل لا تظهر وتختفي، عبوديتنا لله عز وجل هوية دائمة لا
تتحول قط، ومن ثم فينبغي أن تكون عبادتنا لله عز وجل دائمة مستمرة،
والعبادة تتنوع لكن أول أنواع العبادات وأقدسها الدعاء الضارع، التوجه إلى
الله عز وجل بالدعاء الضارع، الدعاء الضارع دائمًا، لا الدعاء الضارع عندما
تطوف بالإنسان مصائب ورزايا ونوائب، الإنسان ما دام عبدًا لله فهو في كل
لحظة بحاجة إلى عناية الله، ومن ثم فهو بحاجة في كل لحظة إلى أن يمد يد
الافتقار والمسألة إلى الله ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾ (غافر: 14) هذا كلام الله سبحانه
وتعالى، وما ينبغي للإنسان أن يكون كما قال الله عز وجل ﴿وَمِنَ النّاسِ
مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمأَنَّ بِهِ
وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا
وَالآخِرَةِ﴾ (الحج: 11) ما ينبغي أن يكون أحدنا في حالة يذكر الله،
وفي حالة أخرى يتيه عن الله عز وجل، نحن في كل الأحوال عبيد الله عز وجل،
ومصيرنا في كل الأحوال معلق على كرم الله سبحانه وتعالى ولطفه وإحسانه.
إن فرص الله عز وجل متوالية ومتسلسلة ومترابطة، وتلك صورة أخرى من صور رحمة
الله عز وجل بعباده ينبغي للإنسان أن يعاهد الله عز وجل على أن يُقبل إليه
إقبالاً دائمًا ولا يدبر، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ
الْيَقِينُ﴾ (الحجر: 99) أي الموت، ينبغي للعبد الذي آمن بالله أن
يعقد صفقة مبايعة مع الله عز وجل تتضمن معنى قول الله تعالى: ﴿قُلْ
إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ﴾ (الأنعام: 162) لن ألتفت عنك، لن أعرض عنك، لن أطرق
غير بابك، لن تعود يدي عن التوجه إلى رحابك، هكذا ينبغي أن يبايع كلّ منّا
ربه سبحانه وتعالى، ما يجوز وما ينبغي للإنسان أن يلتقط فرصًا تلوح أمامه
في حياته ليقبل فيها على الله، وليغسل كيانه من الأدران والآثام، ثم يعود
مرة أخرى ليثقل ظهره بأمثالها في انتظار فرصة قادمة آتية، لعل الفرصة لا
تأتيك، لعل الموت يكون سباقًا إليك.
مفاهيم افتائية
الموضوع الاحتفال بليلة النصف من شعبان وغيرها من المناسبات الدينية
الســــؤال
اطلعنا على الطلب المقيد برقم 2335 لسنة 2005م المتضمن :
{1} نقوم منذ أمد بعيد بالاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وذلك باجتماع أهل
القرية شيبة وشبابًا وأطفالاً ونساءً بالمسجد لصلاة المغرب ، وعقب الصلاة
نقوم بقراءة سورة " يس " ثلاث مرات يعقب كل مرة قراءة الدعاء بالصيغ التي
وردت في القرآن الكريم والدعاء للإسلام والمسلمين ، وكنا سابقًا ندعو بدعاء
نصف شعبان المعتاد وذلك بطريقة جماعية وجهرية ، وقد استبدلناه بالدعاء من
القرآن الكريم . فما رأي الدين في الاحتفال بليلة نصف شعبان بهذه الصورة ؟
{2} نقوم بالاحتفال بالمناسبات الدينية المختلفة ، مثل الاحتفال بليلة
القدر ، والإسراء والمعراج ، والمولد النبوي الشريف إلخ ، وذلك باجتماع
نخبة من المشايخ والعلماء لإلقاء بعض المحاضرات الدينية لهذه المناسبات ،
مع إقامة بعض المسابقات والابتهالات الدينية ، مع الاستعانة بسماعات خارج
المسجد وداخله وعمل زينات خارج المسجد بالأنوار ، وأحيانا نقوم بتصوير
الحفلة بالفيديو مع عمل جلسة خاصة للسادة العلماء عبارة عن منضدة وكراسي
للجلوس في مواجهة الحاضرين داخل المسجد ، مع توزيع بعض المشروبات والحلويات
، وتكريم حفظة ومحفظي القرآن الكريم وعمال المساجد المجتهدين . فما رأي
الدين أيضا في الاحتفال بهذه الصورة ؟
الـجـــواب
فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
• أولاً : ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة ، ورد في ذكر فضلها عدد كبير من
الأحاديث يعضد بعضها بعضًا ويرفعها إلى درجة الحسن والقوة ، فالاهتمام بها
وإحياؤها من الدين ولا شك فيه ، وهذا بعد صرف النظر عما قد يكون ضعيفًا أو
موضوعًا في فضل هذه الليلة .
ومن الأحاديث الواردة في فضلها : حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم
ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ
رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : « يَا عَائِشَةُ ، أَكُنْتِ
تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ! » ، فقُلْتُ :
وَمَا بِي ذَلِكَ ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ
، فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ
شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ » رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد . وعن معاذ بن جبل
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « يَطَّلِعُ الله
إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ
لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ » رواه الطبراني
وصححه ابن حبان . وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال : « إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ
فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ
فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : أَلاَ
مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلاَ مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ ؟
أَلاَ مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ ؟ أَلاَ كَذَا أَلاَ كَذَا . ؟ حَتَّى
يَطْلُعَ الْفَجْرُ » رواه ابن ماجه . ولا بأس بقراءة سورة " يس " ثلاث
مرات عقب صلاة المغرب جهرًا في جماعة ؛ فإن ذلك داخل في الأمر بإحياء هذه
الليلة ، وأمر الذكر على السعة، وتخصيص بعض الأمكنة أو الأزمنة ببعض
الأعمال الصالحة مع المداومة عليها أمر مشروع ما لم يعتقد فاعلُ ذلك أنه
واجب شرعي يأثم تاركه ؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : « كَانَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ
مَاشِيًا وَرَاكِبًا » متفق عليه ، قال الحافظ ابن حجر في [الفتح ] : "
وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض
الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك " ا هـ . وقال الحافظ ابن رجب في [
لطائف المعارف ] : "
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما : أنه يُستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ولقمان
بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في
المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في
المسجد جماعة : ليس ذلك ببدعة ، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه يُكَرَهُ الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ،
ولا يكره أن يُصلي الرجل فيها بخاصة نفسه ، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل
الشام وفقيههم وعالمهم " ا هـ المراد منه .
وعلى ذلك : فإحياء ليلة النصف من شعبان على الصفة المذكورة أمر مشروع لا
بدعة فيه ولا كراهة ، بشرط أن لا يكون على جهة الإلزام والإيجاب ، فإن كان
على سبيل إلزام الغير وتأثيم من لم يشارك فيه فإنه يصبح بدعة بإيجاب ما لم
يوجبه الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا هو المعنى الذي من
اجله كره من كره من السلف إحياء هذه الليلة جماعةً ، فإن انتفى الإيجاب فلا
كراهة .
• ثانيًا : الاحتفال بالمناسبات الدينية المختلفة أمر مرغب فيه ما لم تشتمل
على ما يُنْهَى عنه شرعًا ؛ حيث ورد الشرع الشريف بالأمر بالتذكير بأيام
الله تعالى في قوله عز وجل { وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ }(إبراهيم 5)
، وجاءت السنة الشريفة بذلك ؛ ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم كان يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع ويقول : « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ
فِيهِ » ، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ
صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وآله وسلم : « مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟ » ،
فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ ؛ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ
مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ
مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وآله وسلم : « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ » ،
فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
وعليه : فالاحتفال بالمناسبات الدينية على الصورة المذكورة أمر مشروع لا
كراهة فيه ولا ابتداع ، بل هو من تعظيم شعائر الله تعالى {وَمَن يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوب} (الحج32) .
والله سبحانه وتعالى أعلم
الرقـم المسلسل1101
الموضوع صيام يوم الشك
الســــؤال
ما هو يوم الشك؟ ولماذا يحرم صومه؟
الـجـــواب
أمانة الفتوى
● هذه المسألة فيها ثلاثة أحاديث شريفة: الأول: عن صِلَةَ بْنِ زُفَرَ
قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، فَأُتِيَ
بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَقَالَ: "كُلُوا"، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ
فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمَّارٌ: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي
يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وآله
وسلم". رواه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة
وابن حبان والدارقطني والحاكم، قَال الترمذي: "حَدِيثُ عَمَّارٍ حَدِيثٌ
حَسَنٌ
صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ
التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ؛ كَرِهُوا أَنْ يَصُومَ الرَّجُلُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ،
وَرَأَى أَكْثَرُهُمْ إِنْ صَامَهُ فَكَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا
مَكَانَهُ" اهـ.
والثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ
ذَلِكَ الْيَوْمَ» رواه الجماعة، قال الترمذي: "حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛
كَرِهُوا أَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ
رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمًا
فَوَافَقَ صِيَامُهُ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ عِنْدَهُمْ" اهـ.
والثالث: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا وَإِذَا
رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» متفق عليه.
● وبناءً على ذلك فقد اختلف العلماء في تحديد يوم الشك:
فعند جمهور العلماء من الحنفية والشافعية: يوم الشك هو اليوم الثلاثون من
شهر شعبان إذا تَحَدَّث الناس بالرؤية ولم تثبت، أو شهد بها من رُدَّت
شهادتُه لفسقٍ ونحوه، فإن لم يتحدَّث بالرؤية أحدٌ فليس يومَ شكٍّ حتى لو
كانت السماء مُغيمة؛ وذلك عملاً بظاهر قول عمار بن ياسر رضي الله عنه:
"الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ" من غير التفات إلى وجود غيمٍ أو انتفائه.
أما المالكية فإنهم يجعلون مناط الشك هو الغيم، فلو كانت السماء مُصْحِيَة
فليس يومَ شكٍّ؛ لأنه إن لم يُرَ الهلالُ كان من شعبان جزمًا، ويجعلون قوله
صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِنْ
غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» تفسيرًا ليوم الشك، واعترض ذلك ابن عبد
السلام من المالكية بأن قوله عليه الصلاة والسلام: «فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» -أي: أكملوا عدة ما قبله ثلاثين يومًا- يدل
على أن صبيحة الغيم من شعبان جزمًا.
ويقابلهم الحنابلة الذين يوافقون الجمهور، لكنهم يرون في ظاهر المذهب عندهم
أن وجود الغيم ينفي كونَه يومَ شكٍّ؛ لأنه حينئذ يُعَدُّ من رمضان،
ويجعلون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ
فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ
فَاقْدُرُوا لَهُ» مَسُوقًا لبيان التفرقة بين حكم الصحو والغيم؛ فإذا كانت
رؤية الهلال شرطًا للصوم في الصحو فالمغايرة تقتضي عدم كون الرؤية شرطًا
في الغيم، ومعنى «فَاقْدُرُوا لَهُ» عندهم: أي: فضيِّقوا له وقدِّروه تحت
السحاب؛ عملاً بمذهب راوي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في ذلك.
وتوارُدُ رواياتِ الحديث الصحيحة الصريحة على تفسير «فَاقْدُرُوا لَهُ»
بإكمال عدة شعبان ثلاثين يرجح مذهب الجمهور في ذلك؛ حملاً للمطلَق على
المقيَّد، والسُّنَّة هي أَوْلى ما تُبَيَّنُ به السُّنَّة، ولذلك اختار
كثير من محققي الحنابلة والمالكية مذهب الجمهور، قال الإمام النووي في
المجموع: "فالصواب ما قاله الجمهور، وما سواه فاسد مردود بصرائح الأحاديث
السابقة".
وقد صنف بعض العلماء في تحديد يوم الشك، كما فعل مفتي مكة المكرمة العلاّمة
الشيخ إبراهيم بن حسين ابن بيري الحنفي [ت1099هـ] في رسالته التي سَمّاها
"إزالة الضنك في المراد من يوم الشك".
● أما حكم صوم يوم الشك فله حالتان:
الأولى: أن يُصام عن رمضان بنية الاحتياط له، فهذا هو المراد بالنهي عند
جمهور العلماء، ثم منهم من جعله حرامًا لا يصح صومه كأكثر الشافعية، ومنهم
من رآه مكروهًا كالحنفية والمالكية والحنابلة، فإن ظهر أنه من رمضان أجزأه
عند الليث بن سعد والحنفية، ولم يجزئه عند المالكية والشافعية والحنابلة.
وهذا عند الحنابلة في غير يوم الغيم؛ فأما يوم الغيم فإنهم أوجبوا صيامه عن
رمضان في ظاهر الرواية عندهم ولم يجعلوه يومَ شك؛ عملاً بمذهب راوي الحديث
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما سبق، وللإمام أحمد رواية أخرى توافق
الجمهور أخذ بها كثير من محققيهم؛ لتوارد الروايات الصحيحة الصريحة على
ذلك، حتى قال الإمام ابن تيمية الحنبلي رحمه الله تعالى -فيما نقله عنه
الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي في "تنقيح التحقيق"-: "الَّذِي دَلَّتْ
عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ في هذه المسـألة -وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ-
أَنَّ أَيَّ شَهْر غُمَّ أُكْمِلَ ثَلاثِينَ؛ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شهر
شَعْبَان أو شهر رَمَضَان أو غَيْرهمَا" اهـ. وقد سبق نقل كلام الإمام
النووي في ذلك.
الثانية: أن يُصام عن غير رمضان، فالجمهور أنه يجوز صومه إذا وافق عادةً في
صوم التطوع كما هو نص حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ويلتحق بذلك عندهم صوم
القضاء والنذر، أمَّا التطوع المطلق من غيرعادة فهو حرام على الصحيح عند
الشافعية إلا إن وصله بما قبله من النصف الثاني فيجوز، ولا بأس به عند
الحنفية والمالكية.
وقد صنف الأئمة في هذه المسألة، منهم: الحافظ الخطيب البغدادي الشافعي
[ت463هـ] في كتابه "النهي عن صوم يوم الشك"، والحافظ أبو القاسم عبد الرحمن
بن منده الحنبلي [ت470هـ] في كتابه "صيام يوم الشك" خالف فيه ما هو المذهب
عند الحنابلة من صيام يوم الغيم، والحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي
[ت597هـ] في كتابه "درء الضيم واللَّوم في صوم يوم الغيم"، والعلاّمة مرعي
بن يوسف الكَرْمي الحنبلي
[ت1033هـ] في كتابه "تحقيق الرُّجحان بصوم يوم الشك من رمضان".
● أمّا عن الحكمة في النهي عن صومه: ففيها خلافٌ يذكره الحافظ ابن حجر في
"فتح الباري" بقوله: "وَالْحِكْمَةُ فِيهِ: التَّقَوِّي بِالْفِطْرِ
لِرَمَضَان لِيَدْخُلَ فِيهِ بِقُوَّة وَنَشَاط، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛
لأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَهُ بِصِيَامِ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَة جَاز وَقِيلَ: الْحِكْمَة فِيهِ خَشْيَة اِخْتِلاط
النَّفْل بِالْفَرْضِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ
لَهُ عَادَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: لأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ
بِالرُّؤْيَةِ فَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَدْ حَاوَلَ
الطَّعْنَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ" اهـ.
وهذا الذي اعتمده الحافظ في حكمة النهي يزيد وضوحًا عند معرفة منهج الإسلام
في رؤية الهلال؛ فإن الحاكم هو الذي يقضي بصحة بينة الرؤية -عند إمكانها
فلكيًّا-، فإذا حكم بعدم ثبوت الشهر فإن حكمه هذا يرفع النزاع في الأمر
الظني ظاهرًا وباطنًا ويحسم مادة الخلاف فيه، وليس المسلم مكلَّفًا -تحت أي
سقف معرفي يعيش فيه- بالوصول إلى ما في الواقع ونفس الأمر، بل المَظِنَّة
في ذلك تُنَزَّلُ منزلةَ المَئِنَّة، والأخذ بغلبة الظن واجب شرعي، وهذا
يُعَلِّم المسلمين القوة والثبات في دينهم، والجِدِّيَّة في أمر عبادتهم،
ويحذرهم من أن يكونوا نَهْبًا لخطر الشائعات بين أهل البلد الواحد عن طريق
تَحَدُّثِ بعض الناس بينهم بالرؤية وإحداثهم للبلبلة والفوضى في ذلك مع عدم
الحكم
بثبوتها، وإذا كان هذا عصيانًا للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في حق من
دعا إلى رؤيةٍ لم تثبتها البينة الصحيحة وترك الأخذ بالظن الغالب إذا قضى
به الحاكم، فما بالنا بمن يخالف الجماعة ويشق عصا الطاعة ويزرع بذور الفرقة
والاختلاف بالتشبُّث والدعوة إلى رؤيةٍ قطع الحساب الفلكي القطعي ببطلانها
ولم يعتمدها أهل بلده، كما يفعله كثير من المتعالِمين في هذا الزمان؛ في
زيغٍ عن الحق من غير حجة ولا برهان من عقل أو نقل، واقعِينَ بذلك في
محظورَيْن: تفريق الجماعة، والأخذ برؤية موهومة عُلِم بطلانُها بالضرورة.
وناهيك بذلك خروجًا عن الجادّة وعصيانًا لسيدنا النبي المصطفى أبي القاسم
صلى الله عليه وآله وسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم
السؤال
هل السنة صيام شعبان كامل ؟
الجواب
الحمد لله
يستحب إكثار الصيام في شهر شعبان .
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله .
روى أحمد (26022) , وأبو داود (2336) والنسائي (2175) وابن ماجه (1648)
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا
أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ .
ولفظ أبي داود : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ
يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود (2048) .
فظاهر هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شهر شعبان كله .
لكن ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلاً .
روى مسلم (1156) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ ،
وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ
شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ ، كَانَ يَصُومُ
شَعْبَانَ كُلَّهُ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا .
فاختلف العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين :
فذهب بعضهم إلى أن هذا كان باختلاف الأوقات ، ففي بعض السنين صام النبي صلى
الله عليه وسلم شعبان كاملاً ، وفي بعضها صامه النبي صلى الله عليه وسلم
إلا قليلاً . وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله .
وذهب آخرون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكمل صيام شهر إلا
رمضان ، وحملوا حديث أم سلمة على أن المراد أنه صام شعبان إلا قليلاً ،
قالوا : وهذا جائز في اللغة إذا صام الرجل أكثر الشهر أن يقال : صام الشهر
كله .
قال الحافظ :
إن حديث عائشة [ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث أُمّ
سَلَمَة ( أَنَّهُ كَانَ لا يَصُوم مِنْ السَّنَة شَهْرًا تَامًّا إِلا
شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَان ) أَيْ : كَانَ يَصُوم مُعْظَمَهُ ,
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ اِبْن الْمُبَارَك أَنَّهُ قَالَ : جَائِزٌ
فِي كَلام الْعَرَب إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يَقُولَ صَامَ
الشَّهْرَ كُلَّهُ .
وقال الطِّيبِيُّ : يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه
تَارَة وَيَصُوم مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلا يُتَوَهَّم أَنَّهُ وَاجِب
كُلّه كَرَمَضَانَ . .
ثم قال الحافظ : وَالأَوَّل هُوَ الصَّوَاب] اهـ
يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شعبان كاملاً . واستدل له
بما رواه مسلم (746) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : وَلا أَعْلَمُ
نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ
كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ ، وَلا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ ، وَلا صَامَ
شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ .
وبما رواه البخاري (1971) ومسلم (1157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ : مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ .
وقال السندي في شرحه لحديث أم سلمة :
( يَصِل شَعْبَان بِرَمَضَان ) أَيْ : فَيَصُومهُمَا جَمِيعًا ، ظَاهِره
أَنَّهُ يَصُوم شَعْبَان كُلّه . . . لَكِنْ قَدْ جَاءَ مَا يَدُلّ عَلَى
خِلافه ، فَلِذَلِكَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُوم غَالِبه
فَكَأَنَّهُ يَصُوم كُلّه وَأَنَّهُ يَصِلهُ بِرَمَضَان اهـ
فإن قيل : ما الحكمة من الإكثار من الصيام في شهر شعبان ؟
فالجواب :
قال الحافظ :
الأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ : ( قُلْت :
يَا رَسُول اللَّه ، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا
تَصُوم مِنْ شَعْبَان , قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ
بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان , وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى
رَبّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)
اهـ حسنه الألباني في صحيح النسائي (2221) .
والله أعلم .