abd erahim امل جديد
الساعه الان : عدد المساهمات : 5 نقاط : 4554 السٌّمعَة : -1 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 احترام قوانين المنتدى : دولتي : :
| موضوع: الكتابة الجامعة؛ إرث في غيابات الجب الجمعة يوليو 13, 2012 1:04 pm | |
|
الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، الآمالي لأبي علي القالي، العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي، التبين للجاحظ، الكامل للمبرّد، عيون الأخبار لابن قتيبة، المستطرف في كلّ فن مستظرف للأبشيهي، المؤانسة والإمتاع، والبصائر والذخائر لإبي حيّان التوحيدي، أمّهات السرد الموسوعيّ الإبداعيّ (الاختياريّ)،
والقائمة ليست يسيرة؛ هذا التراث العربيّ السّرديّ الذي قد بلغ أوج ذروته في عبقريّة الكتابة الجامعة صياغةً، لغةً، معانٍ، غاياتٍ ومرامي حينما تجاوز العربيّ عقدة قدسيّة الكتابة التّدوين، وأزاح عن عينه غشاوةً ومهابةً، كانت قد تشكّلتْ خلطاً لقلّة الوعي الكتابيّ، أو تشكّلت غصباً وفرضاً، وسوء فهمٍ، على ذمّة مرويّاتٍ في التّاريخ تنسب للنبيّ العربيّ أنّه قد منع تدوين أيّ كلامٍ منه غير كلام الوحي؛ هكذا أشكل على العربي المنع، وجوهر الإشكال: أنّ الكتابة تنزيلٌ لصيقٌ بالنصّ (المقدّس)، أنّها حرمٌ (تابو)، فتأخّر ناسئاً قدراته السّرديّة عن التّدوين واستمرّ زمناً شفاهةً يقصّ خرّافيّاته، أساطيره أو علومه: نثراً أو شعراً، حكاياتٍ ونودار، مخافةَ أن يُقارع في تدويناته -إنْ دَوّنَ- خصوصيّةً هي سمت الكتاب الوحي/ المقدّس؛ إذّاك وحين تجرّد من قيوده ثُمّ تنبّهَ أنّ النصّ المقدّس شعلته، وأنّه قد حرّضه منذ البدء على الكتابة ولم ينه صدّاً وحرمان..
أزعم أنّ العربيّ حينما أزاح عمامة تحريم التدوين و الكتابة عن رأسه وانبرى للنثر يدوّن الحياة وتزيده إبداعاً غايات، فكانت أبّهة الحضارة الإبداعيّة تلك الكتب الأمّهات، التي ضمّت في صفحاتها سرداً لم يسبق، ولم يعقب عليه، كتاباتٌ عربيةٌ قلّ نظيرها في الحضارات الأخرى.
الكتابة الجامعة والتي نعتها أحمد أمين في مقدّمة العقد الفريد، متحيّراً بين (كتب المختارات أو كتب المحاضرات)، وأراه قد وفّق في التسمية من جانب الانتقاء والاختصار والاختيار، لكنّ السّرد ذاته، وإن تضمّن الاختيار، إلاّ أنّ التأليف لم يبتعد عن تلك الأمّهات، ولذلك أرى أنّ تسمية (المختارات) لهكذا ضرب من السرد تسمية ناقصة؛ يشير عبد ربّه في مقدّمته صراحة إلى وجود التأليف إلى جانب الاختيار:
«وقد ألّفت هذا الكتاب وتخيّرت جواهره من متخيّر الآداب ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر ولباب اللّباب، وإنّما لي فيه تأليف الأخبار، وفضل الاختيار، وحسن الاختصار، وفرش صدر كلّ كتابٍ»
ويقول التوحيّدي في مقدمة مؤلّفه العظيم البصائر والذخائر، النموذج الأمثل للكتابة الجامعة بالمفهوم الذي أرى بعثه اليوم ليتلاءم مع تطوّر السرد العربي ليأخذ شكلاً إبداعياً له خصائصه، وغاياته:
«وصحّ العزم بعد التنقيح والاستشارة، على نقل جميع ما في ديوان السمّاع، ورسم ما أحاطت الرواية» ....... «ولقاء الناس، وفلي البلاد»
والإشارات عديدةٌ على وجود التأليف إلى جانب الاختيار والانتقاء، إضافة إلى أنّ ما نقترحه من مسمّى للكتابة الجامعة، يتّضح أ كثر في تجربة أبي حيّان التوحيدي، وهي دعوة لتوظيف الأسلوب التوحيدي في السرد.
الكتابة الجامعة إرثٌ في غيابة الجبّ لم يُحتف به، لم يُعَصْرَن، إلاّ تجارب (لمماً) هنا وهناك لم يلتفت لها النّقد كي يمنهجها سرديّة حاويّة للفنون جميعةً ومهيمنةً عليها.
ويبقى في زعمي كتابْ: «الساقُ على السّاق، فيما هو الفارياق» لمؤلفه أحمد فارس الشدياق تحفةً إبداعيّةً، لم يُحتف بها وبه، -ربّما لصراعه المرير مع الكنيسة والتبشير- ولعلّه (أيضاً) الكتاب الفريد الوحيد في القرن التاسع عشر؛ ونحن هنا نستحضره ليس مقارعة أو محاكاة للكتابات الحاوية الجامعة، ولا نذكره من باب النّقد، إنّما هي آفاق الكتابة الإبداعيّة، كونه حوى: سيرة، رحلات، طرفٍ ونوادر، شعراً، نثراً، عظاتٍ، نقداً، لغةً، قلّ نظيرها حتّى اليوم.
عظمة الكتابة الجامعة الحاوية قدرتها على الجمع إذ تهادن المرء سلوى قراءةٍ وحلوى درايةٍ، كأنّها مرآة الرّوح الذي يهيم، يفكّر بين علمٍ وأدبٍ وفنٍّ وعملٍ وتقوى وشرورٍ، هكذا يروق لي أن أدعوكم لتروا الكتابة الجامعة (الحرّة) على أنّها الأقرب للنفس، المتشابهة مع آليات عمل العقل والفكر اللذين لا يستسلما لموضوعةٍ أو مسألةٍ واحدةٍ بمنأى عن سيلٍ غزيرٍ من الأفكار المتنوّعة.
الكتابة الجامعة الحرّة، ليست مختصّة، ليست ذات نزعةٍ استقلاليّة لشكلٍ أدبيّ دون غيره، إنّها متقدّمة، ولعلّها ذروة الكتابة في أوج الحضارة العربيّة، كأنّه المشروع العربيّ العظيم، والذي انزوى بانزواء الحضارة العربيّة.
نفتقر إلى كثيرٍ من مفاتيح الحضارة؛ ليس من بابٍ في هذا الأسر البهيم؛
حدّثني قلبي: كيف تفتّش عن بابٍ، أنت الباب.
هذا أفولك أيّها العربيّ الأرمل اليتيم، إرثك مشاعٌ في مكتبات العالم وغيهبٌ في ديارك.
) شعلة النّار كنزٌ.
) قدرة الإشعال حضارةٌ.
ليس من يلتفت اليوم إلى هذا السّرد الجامع على الرّغم من خلقنا إيّاه تراثيّاً، بإبداعاتٍ هي مكسبٌ عالميٌّ إنسانيّ.
هل تأثّرت الحضارة الغربيّة في الموسوعات السرديّة العربيّة؟ وهل الكتابة الجامعة جذر الموسوعات العلميّة اليوم؟
هل سلطان الحضارة الغربيّة التي أبدعت في الموسوعات العلميّة، قد أوعزت دون قصديّةٍ للعربي المعاصر التّابع أن لا يجرّب الإبداع بمفهوماته وآفاقه الموسوعيّة، كأنّه هكذا قد بتر جذوراً وارفةً أغصانها حين يحصر السرد الموسوعيّ أكاديميّاً علمياً، ثمّ يعمى أن يراه إبداعيّاً، وهو حقيقةٌ تاريخيّة لا تنكر.
الكتابة الجامعة الضائعة -مرّة أخرى- لعلّنا اليوم، ونحن نشهد تيارات فنيّة وأدبيّة جامعة تحلّ محل ّتياراتٍ إقصائيّة، فإن كان تيّار «مابعد الحداثة» قد جمع في خصائصه نقيضين (التراث والحداثة)، فإنّي أراهن أنّ الكتابة الجامعة لغةٌ سرديّةٌ تناسب هذا العصر، عصر مابعد الآلة، عصر النّهايات، عصر النّت الحاوي على الكتابات جامعةً.
أليس هذا الزّمن المتعطّش لرسائل الموبايل القصيرة، والقصص القصيرة جدّاً، والذي يحسبه بعض النّقّاد –رفع الله عن أعينهم غشاوةً- أنّها اختلاقٌ عصريٌّ فلم يلتفتوا إلى الكتابات الأدبيّة الجامعة والتي أبدعت في متونها آلاف القصص القصيرة جدّاً، والتي لم تتجاوز بضعة أسطرٍ، وأخرى بين سطرٍ إلى سطرين، يقول التوحيدي في البصائر: «مع توخّي قصار ذلك دون طويله، وسمينه دون غثّه، ونادره دون فاشيه» متضمّنة لعبة الرّاوي والعنعنة، والتي توحي بمصداقيّة القصّة المرويّة، وكأنّها جزءٌ من الواقع، حتّى اتّهم الأصفهاني بالكذب –من قبل الفقهاء- كأنّ الصّدق أو الكذب كانا من حساباته أو غاياته، لكنّهم جهلوا مراميه وفنونه، أمّ المطّلعين منهم فقد خافوا على بضاعتهم، خشيوا – لشدّة فطنتهم التي صبّوها في الإقصاء- أن يتّبع الناس اتّجاهاً غير ما قدّروه لهم؛ هكذا لشدّة عبقريّة الأصفهاني والتوحيّدي وغيرهما، تمّ لهم خداع الكثير في قدرتهم على السخرية من أساليبهم والإتيان بما يعكس قصص الواقع بما فيه من تنوّعاتٍ عديدةٍ لا يبرز جمالها إلاّ أن ترى في كتابٍ واحدٍ، وكأنّه كتاب الحياة.
هكذا أرى أنّ الكتابة تمضي صوب الأسلوب الجامع للأساليب جميعةً، لتخرج من غياباتها في حلّةٍ مالكةٍ واحدةٍ في تعدّدها، كما هي أبّهةٌ ملكيةٌ حلّة كتاب البصائر والذّخائر لأبي حيّان التّوحيدي.
هل تحتاج الكتابة الجامعة إلى وعيٍ وحضارةٍ ليس بمقدور العربيّ –اليوم- تحصيلها ومجاراتها، إلاّ تابعاً؟؟
هل هي ذروة الكتابة، وخاتم أشكالها؟ هل هو ترف الحضارة أن تبدع آداباً متعةً لأولي الولاية، بينما الحضارة التي في أوج أوارها توشك أن تدور بها دورة ابن خلدون.
هذا الإرث الملقى يُوسفاً في غيابات الجبّ، من يلتقطه أوّلاً، نحن أم سيّارةٌ تبيعه للعزيز؟؟
أم ننتظر أدباء شعوبٍ أخرى تكمل مسيرته، ثمّ يضعون له مصطلحاً وتيّاراً قد نلحق ركبه تابعين لا مُبتدعين.
*نقلا عن "الجزيرة" السعودية
| |
|